من للحبيب
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً . أما بعد
أيها الناس :
من أين أبدأ حديثي اليوم ؟ حين أتحدث عن المحبوب ، من أين أبدأ ؟ من نعوت الجمال والكمال . أم من محاسن الأخلاق والأمثال ؟ ياليت شعري اليوم يسمح بمزيد من الوقت لأروي قصة الحب من أوسع أبواب العشق التي عرفتها الأمة .
عفواً أيها المسلمون . أرخوا أسماعكم إلىّ ، امنحوني قدراً من الوقت ، أقبلوا إلىّ هذه الوهلة لأنني سأتحدث حديثاً خاص . سأتحدث هذا اليوم عن سيرة أعظم رجل وطأ بقدمه الأرض ، وسأعرض بعضاً من حياة أفضل قدوة مر في حياة الأمة . سأتحدث اليوم عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، سأتحدث عن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي . تحدث جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان ( ليلة مضيئة مقمرة ) وعلية حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر ، فلهو عندي أحسن من القمر . وتحدث أبو هريرة رضي الله عنه فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صيغ من فضة رَجِل الشعر . وتحدث أبو الطفيل رضي الله عنه فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما بقي على وجه الأرض أحد رآه غيري ، فقيل له : صفه . فقال : كان أبيض ، مليحاً مقصّداً . كان شبيهاً بأبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ... أثنى الله تعالى عليه وعدد محاسنه فقال تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ومنّ الله تعالى علينا به فقال : ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) وجعله الله رحمة فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ويوم تعرّض لتهمة انقطاع الوحي ، ولمزه المشركون بأن ربه تركه أنزل الله لذلك قرآناً يتلى دفاعاً عن نبيه فقال تعالى : ( والضحى ، والليل إذا سجى ، ماودعك ربك وما قلى ) وامتن الله تعالى عليه امتناناً لم يدوّن مثله التاريخ إلى يومنا هذا فرفع الله ذكره ، وأعلى شأنه مصداقاً لقوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وصفه ربه إبان رسالته بأعظم وصف فقال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويشع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) . وزادنا الله تعالى به منّه فجعله لنا أمنة من العذاب فقال تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) وجعل الله تعالى رسالته رحمة خالصة فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين ) وكان صلى الله عليه وسلم جميلاً أنيقاً روحانياً تحدث أنس رضي الله عنه فقال : ماشممت عنبراً قط ، ولا مسكاً ، ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح خدة في يوم من الأيام قال : فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار . وظل عليه الصلاة والسلام ينام في بيت أنس فتأتي أم أنس رضي الله عنهما بقارورة فتجمع فيها عرقه لتجعله طيباً لهم في البيت . زكاه الله تعالى في كتابه الكريم بأعظم الصفات فقال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وشهدت له بذلك ألصق الناس زوجه عائشة رضي الله عنها فقالت : كان خلقه القرآن . وصل عظيم خلقه عليه الصلاة والسلام إلا أنه لم يضرب في حياته قط وشهد بذلك أعظم الناس محبة له وقربة عائشة رذي الله عنها فقالت : ماضرب بيده سيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله . وما ضرب خادماً قط ولا امرأة . كان عليه والسلام مثالاً للكرم والبذل والسخاء ، شهد له بذلك أصحابه والمقربون إليه ، قال جابر رضي الله عنه ماسئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال لا . وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم : أجود الناس بالخير . تحدث أنس رضي الله عنه عن هذا الجانب فقال : سأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى بلده وقال لقومه : أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر
وبلغ في الشجاعة مبلغ الأمثال ، ففي يوم حنين حين كان الفرار وقف ثابتاً على بغلته بين هزيج الأعداء وقوتهم وهو يردد بينهم : أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب . قيل : فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه . وذات ليلة فزع أهل المدينة من صوت ثار في جنباتها فانطلق الناس قبل الصوت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً من جهة الصوت على فرس عُريّ والسيف في عنقه وهو يقول : لن تراعوا . كان عظيم الشفقة بهذه الأمة لدرجة أخبرت عنها زوجه عائشة قالت : ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما . خشي أن يشق على أمته فلم يوجب السواك عليهم وقال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء . وترك صلاة الليل خشية أن تفرض عليهم . وكان من شدة شفقته حين يسمع بكاء الصبي وهو في صلاته يتجوّز في صلاته ويخفف فيها . ووقف يوماً من الأيام فقال عليه الصلاة والسلام : أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل له ذلك زكاة ورحمة ، وصلاة وطهوراً وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة
كذبه قومه ، وردوا دعوته فناده جبريل وهو في طريقه فقال له : إن الله سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ... فقال عليه الصلاة والسلام : لا بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً . كان من تواضعه أنه يركب الحمار ، ويردف خلفه ولدان المدينة ، ويعود المساكين ، ويمسح على رؤوس الأيتام ، ويجيب دعوة الفقراء ويجلس حيث انتهى به المجلس . كانت تأتيه الأمة فتقول له : إن لي إليك حاجة فيقول : يا أم فلان أجلسي في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك . ونقلت زوجه عائشة بعض تواضعه فقالت : كان في بيته في مهنة أهله ، يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويقمّ البيت ، ويعقل البعير ، ويعلف ناضحه ، ويأكل مع الخادم ، ويعجن معها ، ويحمل بضاعته إلى السوق . وصفه ابن القيم في أكله فقال : كان لا يرد موجوداً ، ولا يتكلف مفقوداً ، فما قرّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه ... اهـ
أيها المسلمون : هذه فقط بعض معالم القدوة ، وفي سيرته مايعجز البيان عن ذكره ، وصدق الغزالي حين قال : إن المسلم الذي لا يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ضميره ، ولا تتبعه بصيرته في علمه وتفكيره لا يغني عنه أبداً أن يحرك لسانه بألف صلاة في اليوم والليلة . اهـ
أقول ما تسمعون واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .